فصل: فصل: من رسالة الإمام مالك لهارون الرشيد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل: من رسالة الإمام مالك لهارون الرشيد:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين سيدنا مُحَمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإني كتبت إليك بكتاب لم آلك فيه رشدًا، ولم أدخرك فيه نصحًا، تحميدًا لله، وأدبًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتدبره بعقلك، وردد فيه بصرك، وأرعه سمعك، ثُمَّ اعقله بقلبك، وأحضره فهمك، ولا تغيبن عَنْهُ ذهنك.
فإن فيه الفضل في الدُّنْيَا، وحسن ثواب الله تَعَالَى في الآخِرَة، اذكر نفسك في غمرات الموت وكربه، وما هُوَ نازل به منك، وما أَنْتَ موقوف عَلَيْهِ بعد الموت من العرض على الله سُبْحَانَهُ، ثُمَّ الحساب ثُمَّ الخلود بعد الحساب.
وأعد الله عَزَّ وَجَلَّ ما يسهل به عَلَيْكَ أهوال تلك المشاهد وكربها فإنك لو رَأَيْت أَهْل سخط الله تَعَالَى وما صاروا إليه من ألوان الْعَذَاب وشدة نقمته عَلَيْهمْ، وسمعت زفيرهم في النار وشهيقهم مَعَ كلوح وجوههم وطول غمهم، وتقلبهم في دركاتها على وجوههم لا يسمعون ولا يبصرون، ويدعون بالويل والثبور وأعظم من ذَلِكَ حَسْرَة إعراض الله تَعَالَى عنهم، وانقطاع رجائهم وإجابته إياهم بعد طول الغم بقوله: {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}.
لم يتعاظمك شَيْء من الدُّنْيَا إن أردت النجاة من ذَلِكَ ولا أمتلك من هوله، ولو قدمت في طلب النجاة منه جَمِيع ما ملك أَهْل الدُّنْيَا- كَانَ في معاينتك ذَلِكَ صغيرًا.
ولو رَأَيْت أَهْل طاعة الله تَعَالَى وما صاروا إليه من كرم الله عَزَّ وَجَلَّ ومنزلتهم مَعَ قربهم من الله عَزَّ وَجَلَّ ونضرة وجوههم، ونور ألوانهم، وسرورهم بالنَّعِيم الْمُقِيم، والنظر إليه والمكانة منه.
لتقلل في عينك عَظِيم ما طلبت به صغير ما عِنْد الله، ولصغر في عينك جسيم ما طلبت به صغير ذَلِكَ من الدُّنْيَا.
فاحذر على نفسك حذرًا غير تغرير، وبادره بنفسك قبل أن تسبق إليها، وما تخاف الحَسْرَة منه عِنْد نزول الموت، وخاصم نفسك على مهل وأَنْتَ تقدر بإذن الله على جر المنفعة إليها، وصرف الحجة عَنْهَا قبل أن يتولى الله حسابها.
ثُمَّ لا تقدر على صرف المكروه عَنْهَا واجعل من نفسك لنفسك نصيبًا بالليل والنَّهَارَ، وصل من النَّهَارَ اثنتي عشرة ركعة، واقَرَأَ فيهن ما أحببت، إن شئت صلهن جميعًا، وإن شئت متفرقات، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلى من النَّهَارَ اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتًا في الْجَنَّة».
اللَّهُمَّ ثَبِّتْ إيماننا بك وبملائكتك وكتبك ورسلك واليوم الآخِر والقدر خيره وشره، وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: وصل من الليل ثمان ركعات بجزء من القرآن، وأعط كُلّ ركعة حقها، والَّذِي ينبغي فيها من تمام الركوع والسجود، وصلهن مثنى مثنَى، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أنه كَانَ يصلي من الليل ثمان ركعات، والوتر ثلاث ركعات سِوَى ذَلِكَ يسلم من كُلّ اثنتين.
وصم ثلاثة أيام من كُلّ شهر: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ذَلِكَ صيام الدهر».
وأعط زكاة مالك طيبة بها نفسك حين يحول عَلَيْهِ الحول ولا تؤخرها بعد حلها، وضعها فيمن أمر الله تَعَالَى، ولا تضعها إِلا في أَهْل ملتك من المسلمين، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تَعَالَى لم يرض من الصدقة بحكم نبي ولا غيره حتى حدها هُوَ على ثمانية أجزاء. قال عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ}».
واحجج حجة الإسلام من أطيب مالك، وأزكاه عندك، فإن الله تَعَالَى لا يقبل إِلا طيبًا، وبلغني أن قوله تَعَالَى: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثُمَّ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثُمَّ عَلَيْهِ} غفر له.
مر بطاعة الله وأحبب عَلَيْهَا، وانه عن معاصي الله تَعَالَى، وأبغض عَلَيْهَا، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مروا بالمعروف، وانهوا عن الْمُنْكَر، فإنما هلك من كَانَ قبلكم بتركهم نهيهم عن المعاصي، ولم ينههم الربانيون والأحبار».
فمروا بالمعروف وانهوا عن الْمُنْكَر من قبل أن ينزل بكم الَّذِي نزل بِهُمْ، فإن الأَمْر بالمعروف والنهي عن الْمُنْكَر لا يقدم أجلاً، ولا يقطع رزقًا.
أحسن إلى من خولك الله تَعَالَى، واشكر تفضيله إياك عَلَيْهمْ، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه كَانَ يصلى فانصرف، وَقَالَ: «أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إِلا عَلَيْهِ جبهة ملك ساجد، فمن كَانَ له خول فليحسن إليه، ومن كره فليستبدل، ولا تعذبوا خلق الله».
الزم الأَدَب من وليت أمره وأدبه، ومن يجب عَلَيْكَ النظر في أمره، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال للفضل بن العباس: «لا ترفع عصاك على أهلك، وأخفهم في الله».
لا تستلم إلى النَّاس واستجرهم في طاعة الله، لا تغمص النَّاس واخفض لَهُمْ جناحك، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا أحدثكم بوصية نوح ابنه. قال: آمرك باثنين، وأنهاك عن اثنين: أمرك بقول لا إله إِلا الله، فإنها لو كانَتْ في كفة والسماوات والأَرْض في كفة وزنتها، ولو وضعتها على حلقة قصمتها».
وقل: سبحان الله وبحمده فإنها عبادة الخلق، وبها تقطع أرزاقهم، فإنهما يكثران لمن قالها الولوج على الله عَزَّ وَجَلَّ، وأنهاك عن الشرك والكبر، فإن الله محتجب عنهما فَقَالَ له بعض أصحابه: أمن الكبر أن يكون لي الدابة النجيبة؟ قال: لا. قال: أمن الكبر أن يكون لي الثوب الحسن؟ قال: لا. قال: أفمن الكبر أن يكون لي الطعام أجمَعَ عَلَيْهِ النَّاس؟ قال: لا.
إنما الكبر أن تسفه الحق، وتغمض الخلق، وَإِيَّاكَ والكبر والزهو، فإن الله عَزَّ وَجَلَّ لا يحبهما، وبلغني عن بعض الْعُلَمَاء أنه قال: يحشر المتكبرون يوم القيامة في صور الذر تطؤهم النَّاس بتكبرهم على الله عَزَّ وَجَلَّ.
وَسَلْ الْعِيَاذَ مِنَ التَّكَبُّرِ وَالْهَوَى ** فَهُمَا لِكُلِّ الشَّرِ جَامِعَتَانِ

وَهُمَا يَصُدَّانِ الْفَتَى عَنْ كُلِّ طُرْ ** قِ الْخَيْرِ إِذْ فِي قَلْبِهِ يَلْجَانِ

فَتَرَاهُ يَمْنَعُهُ هَوَاهُ تَارَةً ** وَالْكِبْرُ أُخْرَى ثُمَّ يَجْتَمِعَانِ

وَالله مَا فِي النَّارَ إِلا تَابِعٌ ** هَاذَيْنِ فَاسْئَلْ سَاكِنِ النِّيرَانِ

آخر:
قُلْ لِلْوَضِيعِ إِذَا تَكَبَّرَ لا تُبَلْ ** تِهْ كُلَّ تِيْهِكَ بالْوِلاية والْعَمَلْ

مَا ازْدَدْتَ حِينَ وَلَيْتَ إِلا خِسَّةً ** كَالْكَلْبِ أَنْجَسُ مَا يَكُونُ إِذَا اغْتَسَلْ

اللَّهُمَّ يا من بيده خزائن السماوات والأَرْض، عافنا من محن الزمان، وعوارض الفتن، فإنا ضعفاء عن حملها، وإن كنا من أهلها، اللَّهُمَّ وفقنا لصالح الأعمال، ونجنا مِنْ جَمِيعِ الأهوال، وأمنا من الفزع الأكبر يوم الرجف والزلزال، وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: لا تأمن على شَيْء من أمرك من لا يخاف الله، فإنه بلغني عن عُمَر بن الْخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قال: شاور في أمرك الَّذِينَ يخافون الله، احذر بطانة السُّوء، وأَهْل الرَّدَى على نفسك.
فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من نبي ولا خليفة إِلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن الْمُنْكَر، وبطانة لا تألوه خبالاً، وَهُوَ مَعَ الَّذِي استولت عَلَيْهِ، ومن وقي بطانة السُّوء فقَدْ وُقِيَ».
واستنبطن أَهْل التقوى من النَّاس، وأكرم ضيفك فإنه يحق عَلَيْكَ إكرامه، وارع حق جارك ببذل المعروف، وكف الأَذَى عَنْهُ، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كَانَ يؤمن بِاللهِ واليوم الآخِر فليكرم ضيفه».
وتكلم بخَيْر أو اسكت، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كَانَ يؤمن بِاللهِ واليوم الآخِر فليقل خيرًا أو ليمسك».
واتق فصول المنطق، فإنه بلغني عن ابن مسعود أنه قال: أنذركم فضول المنطق، وأكرم من وادك وكافئه بمودته، وَإِيَّاكَ والْغَضَب في غير الله، لا تأمر بخَيْر إِلا بدأت بفعله، ولا تنه عن سوء إِلا بدأت بتركه، دع من الأَمْر ما لا يعنيك، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
صل من قطعك، واعف عمن ظلمك، واعط من حرمك، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنها أفضل أَخْلاق الدُّنْيَا والآخِرَة».
اتق كثرة الضحك، فإنه يدعو إلى السفه، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أن ضحكه كَانَ تبسمًا.
لا تمزح فتدم نفسك، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني لأمزح ولا أَقُول إِلا حقًا».
لا تخالف إلى ما نهيت عَنْهُ، وإذا نطقت فأوجز، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وهل يكب النَّاس في نار جهنم إِلا هَذَا» يعني: لِسَانه.
لا تصغر خدك للناس، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أَهْل الْجَنَّة كُلّ هين لين سهل طلق».
اترك من عمال السِّرّ ما لا يحسن بك أن تعمله في العلانية: اتق كُلّ شَيْء تخاف فيه تهمة في دينك ودنياك، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كَانَ يؤمن بِاللهِ واليوم الآخِر فلا يقف مواقف التهم».
أقلل طلب الحوائج من النَّاس، فإن في ذَلِكَ غضاضة، وبلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل: «لا تسأل النَّاس، وليكن مجلسك بيتك أو مسجدك». وبلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المساجد بيوت المتقين».
لا تكثر الشخوص من بيتك إِلا في أمر لابد منه، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ستة مجالس المسلم ضامن على الله ما كَانَ في شَيْء منهن: في سبيل الله، أو في بيت الله، أو في عيادة مريض، أو شهود جنازة، أو جمعة، أو عِنْد إمام مقسط يعزره ويوقره».
أحسن خلقك مَعَ أهلك، ومن اعتز بك، فإن ذَلِكَ رضًا لربك، ومحبة في أهلك، ومثراة في مالك، ومنسأة في أجلك.
فإنه بلغني عن بعض الْعُلَمَاء من الصحابة أنه قال ذَلِكَ.
أحسن البشر إلى عامة النَّاس، واتق شتمهم وغيبتهم فإن الله تَعَالَى قال: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ}. وبلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تشتم النَّاس» وَاللهُ أَعْلَمُ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآله وَسَلَمَ.
فصل:
وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: اتق أَهْل الفحش، ومُجَالَسَة أَهْل الرَّدى، ومحادثة الضعفة أي ضعفاء العقول من النَّاس، فإنه بلغني عن ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قال: اعتبر النَّاس بأخدانهم فإنما يخادن الرجل الرجل مثله.
أكرم اليتيم، وارحمه، واعطف عَلَيْهِ، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كفل يتيمًا له أو لغيره كنت أَنَا وَهُوَ في الْجَنَّة كهاتين»، وأشار بأصبعيه فضمهما.
أعرف لابن السبيل حقه، واحفظ وصية الله تَعَالَى فيه فإنه بلغني أن أول من ضاف الضيف إبراهيم الخليل عَلَيْهِ السَّلام.
أعن المظلوم، وانصره ما استطعت، وخذ على يد الظَالِم، وادفعه عن ظلمه، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من مشي مَعَ مظلوم حتى يثَبِّتْ له حقه، ثَبِّتْ الله قدمه يوم تزول الأقدام».
اتق إتباع الهوى في ترك الحق، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني أخاف عليكم اثنتين: إتباع الهوى، وطول الأمل». فإن إتباع الهوى يصد عن الحق، وطول الأمل ينسي الآخِرَة.
انصف النَّاس من نفسك ولا تستطل عَلَيْهمْ، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أشرف الأعمال ثلاثة: ذكر الله على كُلّ حال، ومواساة الأخ من الْمَال، وإنصاف النَّاس من نفسك».
اغضض بصرك عن محارم الله، فإنه بلغني عن علي- كرم الله وجهه- أنه قال: لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك النظرة الأولى، ولَيْسَتْ لك الأخرى.
اتق المطعم الوبيّ، والمشرب الوبيّ، والملبس الوبيّ، فإن ذَلِكَ تذهب أنفته، وتبقى عاقبته، وإن الله سُبْحَانَهُ أدب رسله، فَقَالَ: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً}.
وَقَالَ النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام: «من أكل بأخيه المسلم أكلة أطعمه الله مكانها أكلة من نار، ومن سمعَ بأخيه المسلم سمعَ الله به يوم القيامة، ومن لبس بأخيه المسلم ثوبًا ألبسه الله مكانه ثوبًا من نار».
اقبل عذر من اعتذر إليك، وارجع عما كرهت، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يعذره كَانَ عَلَيْهِ مثل وزر صَاحِب مكس».
لتكن يدك العليا على كُلّ من خالطت، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اليد العليا خَيْر من اليد السفلى».
اصحب الأخيار فَإِنَّهُمْ يعينونك على أمر الله عَزَّ وَجَلَّ، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما تحاب رجلان في الله إِلا كَانَ أفضلهما أشدهما حبًا لصاحبه».
صل رحمك وإن قطعك، ولا تكافئه بمثل ما أتى إليك، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال له: إن لي أقرباء، أعفوا ويظلموني، وأصل ويقطعوني، وأحسن ويسيئوني، أفأكافئهم؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إذن تتركوا جميعًا، ولكن إذا أساءوا فأحسن، فإنه لن يزال لك عَلَيْهمْ من الله ظهير». اللَّهُمَّ يا من فتح بابه للطالبين وأظهر غناه للراغبين ألهمنا ما ألهمت عبادك الصالحين وأيقظنا من رقدة الغافلين إنك أكرم منعم وأعز معين، واغفر لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: ارحم المسكين المضطر، والغريب المحتاج، وأعنه على ما استطعت من أمره، فإنه بلغني عن ابن عباس: أنه قال: كُلّ معروف صدقة.
ارحم السائل واردده من بابك بفضل معروفك بالبذل منك، أو قول معروف تقوله له، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رد عَنْكَ مذمة السائل بمثل رأس الطير من الطعام».
لا تزهد في المعروف عِنْد من تعرفه وعِنْد من لا تعرفه، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تزهد في المعروف ولو أن تصب من دلوك في إناء المستقي».
أرد بكل ما يكون منك من خَيْر إلى أحد الله، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن قوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ...} الآيَة قال: المنافق الَّذِي إن صلّى رآءى، وإن فاتته لم يبلغ إليها: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} قال: الماعون: الزَّكَاة التي فرضها الله عَزَّ وَجَلَّ.
إياك والرياء، فإنه بلغني أنه لا يصعد عمل المرائي إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ولا يزكيه عنده. إن استطعت أن تعمل بعمل ما عملت فيما بينك وبين الله فافعل، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نضر الله امرءًا سمَعَ مقالتي فوعاها حتى يبلغها غيره، فرب غائب أحفظ من شاهد ورب حامل فقه غير فقيه».
لا يغفل قلب امرئٍ مسلم عن ثلاث خصال: إخلاص الْعَمَل لله، والنَّصِيحَة للإمام العادل، والنَّصِيحَة لعامة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم.
إياك وسوء الخلق، فإنه يدعوا إلى معاصي الله تَعَالَى، وقَدْ بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خياركم أحسنكم أخلاقًا».
اخضع لله إذا خلوت بعملك، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أن ملكًا أتاه فَقَالَ: إن ربك يقرئك السَّلام وَيَقُولُ: إن شئت أجعلك ملكًا نبيًا أو عبدًا نبيًا فأشار إليه جبريل عَلَيْهِ السَّلام أن تواضع، فما أكل متكئًا حتى مَاتَ.
لا تظلم النَّاس فيديلهم الله عَلَيْكَ، فإنه بلغني عن بعض الْعُلَمَاء من الصحابة أنه قال: ما ظلمت أحدًا أشد عليَّ ظلمًا من أحد لا يتعسن عليّ إِلا بِاللهِ تَعَالَى.
احذر البغي فإنه عاجل العقوبة، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أعجل الْخَيْر ثوابًا صلة الرحم، وإن أعجل الشر عقوبة اليمين الغموس تترك الديار بلاقع».
لا تحلف بغير الله في شَيْء، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تحلفوا بآبائكم، ليحلف حالف بِاللهِ أو ليسكت». ولا تحلف بِاللهِ في كُلّ شَيْء فإنه بلغني أن ذَلِكَ قوله تَعَالَى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ}.
اللَّهُمَّ أعمر قلوبنا وألسنتنا بِذِكْرِكَ وشكرك ووفقنا للامتثال لأَمْرِكَ، وأمنا من سطوتك ومكرك وَاجْعَلْنَا مِنْ أوليائك المتقين وحزبك المفلحين، وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: ارحم النَّاس يرَحِمَكَ اللهُ بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من لا يرحم النَّاس لا يرَحِمَهُ اللهُ».
أحبب طاعة الله يحبك الله، ويحببك إلى خلقه، قال الله عَزَّ وَجَلَّ لنبيه: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}.
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام: «إن الله جعل قرة عيني في السجود». وَقَالَ بعض الْعُلَمَاء: ما أسر عبد قط سريرة خَيْر إِلا ألبسه الله رداءها، ولا أسر سريرة شر قط إِلا ألبسه الله رداءها.
وليكن عَلَيْكَ السكينة والوقار في منطقك ومجلسك ومركبك، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا ركبتهم هذه الدواب العجم فأعطوها من حظها من الأَرْض».
عَلَيْكَ بالحلم والإغضاء عما كرهت، ولا تتبع ذَلِكَ من أحد بلغك عَنْهُ أذى ولا تكافئه فإن في ذَلِكَ الفضل في الدُّنْيَا والآخِرَة، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يحب الحليم الحيي العفيف المتعفف».
ادفع السيئة بالتي هي أحسن، بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيها السلمي اتق العقوبة وقطيعة الرحم، فإن في ذَلِكَ شَيْنًا في الدُّنْيَا وتباعد في الآخِرَة».
وبلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اشتكت الرحم إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ممن يقطعها، فرد الله عَلَيْهَا: أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك».
إذا غضبت من شَيْء من أمر الله فاذكر ثواب الله على كظم الغيظ، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} الآيَة.
وبلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما امتلأ رجل غيظًا فكظمه لله إِلا ملأه الله رضوانَا يوم القيامة».
إذا وعدت موعدًا في طاعة الله فلا تخلفه، وإذا قُلْتُ قولاً فيه رضا الله فأوف به ودم عَلَيْهِ، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تكفل بستٍّ أتكفل له بالْجَنَّة: إذا حدث لم يكذب، وإذا وعد لم يخلف، وإذا ائتمن لم يخن، وغض بصره، وحفظ فرجه، وكف يده».
إذا حلفت على يمين ليست من طاعة الله فلا تهمن بها وكفرها، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا نذر في معصية الله وكفارتها كفارة يمين، والنذر يمين، وإذا حلفت على يمين ثُمَّ رَأَيْت غيرها خيرًا منها فأت الَّذِي هُوَ خَيْر وكفر عن يمينك» فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال ذَلِكَ.
إياك والتزيد في القول، وأن تَقُول قولاً وأَنْتَ تعلم أنه لم يكن، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: الإمام الكذَّاب، والعائل المزهو، والشَّيْخ الزاني».
بر والديك وخصهما منك بالدُّعَاء في كُلّ صلاة، وأكثر لهما الاستغفار، وابدأ بنفسك قبلهما، فإن إبراهيم- عَلَيْهِ السَّلام- قال: «رب اغفر لي ولوالديَّ» فبدأ بنفسه قبل والديه. وبلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سره أن ينسأ له في عمره، ويزَادَ في رزقه، فليتق الله ربه وليصل رحمه».
اشكر النَّاس ما أتوا إليك من خيرهم، وكافئهم إن قدرت عَلَيْهِ، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من لم يشكر النَّاس لم يشكر الله» والله اللَّهُمَّ قو إيماننا بك وبملائكتك وبكتبك وبرسلك وباليوم الآخِر وبالقدر خيره وشره، وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: إذا ركبت الدابة فوضعت رجلك في الركاب فقل: بسم الله، وإذا استويت راكبًا فقل: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} الآيَة. فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ كُلَّما ركب دابة. قُلْتُ: ومثلها السيارة، والطائرة، والقطار، والسَّفِينَة ونحوها.
إذا أكلت أو شربت فاذكر اسم الله، فإن نسيت في أول حالك فاذكره إذا ذكرت، بلغني عن ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قال: تذكر اسم الله حين تذكر، فإنه يحول بين الخبيث وبين أن يأكل معك ويتقيأ ما أكل، فإذا فرغت فقل: الحمد لله الَّذِي أطعمنا وسقانَا وجعلنا مسلمين، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ إذا أكل وشرب.
وإذا أكلت ومعك آخر فكل مِمَّا يليك بيمينك، ولا تأكل من فوق الطعام ولا من بين يدي أحد، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل يفعله: «اذكر اسم الله، وكل مِمَّا يليك وكل بيمينك ولا تأكل بشمالك، ولا تشرب بشمالك». وبلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنها أكلة الشيطان».
لا تسافر ما استطعت إِلا في يوم الخميس، فإنه بلغني عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه كَانَ يستحب أن يسافر يوم الخميس لا يسافر إِلا فيه.
إذا أصابك كرب فقل: يا حي يا قيوم بِرَحْمَتِكَ أستغيث، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عِنْد الكرب.
احترس ممن يقرب إليك بالنميمة، ويبلغ الكلام عن النَّاس، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ملعون من لعن أباه، ملعون من لعن أمه، ملعون من غير تخوم الأَرْض، ملعون كُلّ صقار». وَهُوَ: النمام.
لا تجر ثيابك فإن الله لا يحب ذَلِكَ، وبلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من جر ثيابه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة».
أطع الله في معصية النَّاس، ولا تطع النَّاس في معصية الله، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
إذا أصابك حزن أو سقم أو زلة أو لأواء- يعني الجوع- فقل: الله رَبِّي لا أشرك به شَيْئًا. ثلاث مرات، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه كَانَ يأمر بذَلِكَ من أصابه شَيْء من ذَلِكَ.
اصبر على ما أصابك من فجائع الدُّنْيَا وأحزانها لقول الله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}. والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.
لا تمارين أحدًا وإن كنت محقًا، بلغني أن قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} أنه المراء.
إذا هممت بأمر من أمور الدُّنْيَا ففكر في عاقبته، بلغني عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا هممت بأمر من أمور الدُّنْيَا ففكر في عاقبته، فإن كَانَ رشدًا فأمضه، وإن كَانَ غيًا فانته منه».
وَإِيَّاكَ والتجريد خَاليا، فإنه ينبغي لك أن تستحي من الله إذا خلوت، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا أحب أن يلي لي شَيْئًا من لا يستحي من الله في الخلاء». وَإِيَّاكَ أن تدخل الحمام والماء إِلا بإزار، ولا يدخل معك أحد الحمام إِلا بإزار وأَنْتَ تقدر على ذَلِكَ.
فإن لم تقدر فغض طرفك عن كُلّ أحد مكشوفًا، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يحل لامرئٍ يؤمن بِاللهِ واليوم الآخِر أن يدخل الحمام إِلا بإزار». وَاللهُ أَعْلَمُ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ.
اللَّهُمَّ نور قلوبنا واشرح صدورنا واستر عيوبنا وأمن خوفنا واختم بالصالحات أعمالنا وَاجْعَلْنَا مِنْ عبادك الصالحين وحزبك المفلحين الذين لا خوف عَلَيْهمْ ولا هم يحزنون، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: أفش السَّلام وإن استطعت أن لا يسبقك أحد إليه فافعل تعط بذَلِكَ فضلاً عن النَّاس، وبلغني عن ابن مسعود أنه قال: السَّلام اسم من أسماء الله، وضعه فيكم فأفشوه فيكم، فإن الرجل إذا سلم كتب له عشر حسنات.
أدب ولدك ومن وليت أمره على خلقك وأدبك حتى يتأدبوا على ما أَنْتَ عَلَيْهِ فيكونوا لك عونًا على طاعة الله. بلغني عن ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قال: كُلّ مؤدب يحب أن يؤخذ بأدبه، وإن أدب الله هُوَ القرآن.
وإذا استشارك أحد فإن شئت تكلمت، وإن شئت سكتَّ، واجتهد رأيك، فإنه بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المستشار بالخيار إن شَاءَ تكلم، وإن شَاءَ سكت».
لا تفش على أحدٍ سرًا أفشاه إليك فإنما هِيَ أمانة استودعكها وائتمنك عَلَيْهَا، إِلا أن يكون إفشاؤه خيرًا له في دنياه وآخرته فأفشها عَلَيْهِ وانصحه فيها، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حق المسلم على المسلم إذا استنصحه أن ينصحه».
إذا تعلمت علمًا من طاعة الله فلير عَلَيْكَ أثره، ولير فيك سمته، وتعلم للذي تعمله، وتعلم له السكينة والحلم والوقار. بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الْعُلَمَاء ورثة الأنبياء».
رد جواب الكِتَاب إلى كُلّ أحد كتب إليك، فإنما هُوَ كرد السَّلام قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}.
وَقَالَ ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أرى رجع اْلكِتَاب عليَّ حقًا كما أرى رجع السَّلام.
الزم الحياء فإنه خلق الإسلام، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: «لكل شَيْء خلق، وخلق الإسلام: الحياء».
إذا سافرت فقل: «اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأَهْل والْمَال، والحور بعد الكور». بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ إذا سافر.
إياك وظلم الضعيف، ومن لا يستعين عَلَيْكَ إِلا بِاللهِ، لقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم فإنها تصعد فوق الغمام، فَيَقُولُ الله لها: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين».
إذا ودعت مسافرًا فقل: «زودك الله التقوى، وغفر لك ذنبك، ويسر لك الْخَيْر حيثما كنت، استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك». لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يأمر أصحابه بها.
إذا حضرت السُّلْطَان فاشفع بخَيْر، وَإِيَّاكَ والكلام عنده إِلا بما يرضي الله، لقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أنها تبلغ ما بلغت يكتب له بها سخطه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أنها تبلغ ما بلغت، يكتب له بها رضوانه إلى يوم القيامة».
أرد ما أردت به الله ما استطعت، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صدقة السِّرّ تطفئ غضب الرب».
اتق كثرة التزكية لنفسك، أو ترضى بها من أحد يقولها لك في وجهك، بلغني أن رجلاً امتدح رجلاً عِنْد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «ويحك قطعت عنقه، ولو سمعها ما أفلح أبدًا».
إياك ومدح النَّاس والثناء عَلَيْهمْ في وجوههم، لقول النَّبِيّ- عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام: «احثوا التُّرَاب في وجوه المداحين».
طهر ثيابك ونقها من معاصي الله تَعَالَى، فإنه بلغني أن قوله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}، يأمره أن لا يلبسها على عذرة.
واكره لك أحد ما تكرهه لنفسك، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه بايع جريرًا البجلي على الإسلام والنَّصِيحَة لكل مسلم.
إياك والحسد والشره فهما خلقان مرديان لصاحبهما في الدُّنْيَا والآخِرَة، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فيهما: «لا حسد إِلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً وسلطه على إنفاقه في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها».
كُلُّ الْعَدَاوَةِ قَدْ تُرْجَى إِمَاتَتُهَا ** إِلا عَدَاوَةَ مَنْ عَادَاكَ مِنْ حَسَدِ

فَإِنَّ الْقَلْبَ مِنْهَا عُقْدَةٌ عُقِدَتْ ** وَلَيْسَ يَفْتَحُهَا رَاقٍ إِلَى الأَبَدِ

إِلا الإِلَهُ فَإِنْ يَرْحَمْ تُحَلُّ بِهِ ** فَالْجَأْ إِلَى اللهِ لا تَرْكَنْ إِلَى أَحَد

اقتد في أمورك برأي ذي الإنصاف من أَهْل التقوى. بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خياركم شبانكم المتشبهون بشيوخكم، وشراركم شيوخكم المتشبهون بشبانكم».
لا تحتقر أحدًا، ولا تجالس مأفونًا، فإن الوحدة خَيْر من جلَيْسَ السُّوء.
عَلَيْكَ بمعالي الأَخْلاق وكريمها، واتق رذائلها وما سفف منها، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يحب معالي الأَخْلاق ويكره سفسافها».
إذا رَأَيْت من فضلت عَلَيْهِ في دينك ودنياك فأكثر حمد الله عَلَيْهِ، فإن ذَلِكَ من الشكر، بلغني عَنْهُ- عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام- أنه قال: «ما أنعم الله على عبد بنعمة فَقَالَ: الحمد لله إِلا كَانَ ذَلِكَ أعظم من تلك النعمة وإن عظمت».
لا تركب المثرة الحمراء، ولا تلبس المعصفر، فقَدْ نهِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذَلِكَ. إذا غضبت وأَنْتَ قائم فاقعد، وإن كنت قاعدًا فاضطجع، لقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا غضب أحدكم وَهُوَ قائم فليجلس فإن ذهب عَنْهُ الْغَضَب وإِلا فليضطجع». لا تتطيرن من شَيْء تراه أو تسمعه.
وإذا كَانَ من ذَلِكَ شَيْء فقل: اللَّهُمَّ لا يأتي بالْخَيْر إِلا أَنْتَ ولا يدفع السُّوء إِلا أَنْتَ، ولا حول ولا قوة إِلا بِاللهِ. فقَدْ علمت أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يأمر بذَلِكَ لمن رأى من ذَلِكَ شَيْئًا.
لا تتوضأ بشَيْء مِمَّا تأكل من الطعام إِلا من لحم الجزور، ولا تدلك به في الحمام، فإن ذَلِكَ من الجفاء.
لا تتخلقن بالخلوق إِلا أن يكون في أثر النورة ليذهب ريحها، فقَدْ بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بينما رجل في بردتين له متخلق يتبختر فيهما إذ ساخت به الأَرْض فهو يتجلجل فيه إلى يوم القيامة».
اللَّهُمَّ توفنا مسلمين وألحقنا بعبادك الصالحين وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: لا تحلف بالطلاق ولا بالعتاق، فإنها من أيمان الفساق. بلغني عن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قال: أربع جائزة إذا تكلم بهن: الطلاق، والعتاق، والنكاح، والنذر. وأربعة يمسون والله عَلَيْهمْ ساخط، ويبيحون والله عَلَيْهمْ غَضْبَان: المتشبهون من الرِّجَال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرِّجَال، ومن أتى بهيمة، أو عمل عمل قوم لوط.
لا تتطيبن بشَيْء من الطيب يظهر لونه، فإن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «طيب الرِّجَال ما بطن لونه وظهر ريحه، وطيب النساء ما ظهر لونه وبطن ريحه».
الزم الرأي الحسن، والهدي الحسن، والاقتصاد بلغني عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قال: الرأي الحسن جزء من خمسة وعشرين جزءًا من النبوة.
إن استطعت أن لا تدع العمامة والبرد في العيدين والْجُمُعَة فافعل. لما علمت من أمر النَّبِيّ- عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام- أنه كَانَ يلبس العمامة والبرد في العيدين والْجُمُعَة.
إذا صافحت أحدًا فلا تنزعن يدك من يده، حتى يكون هُوَ الَّذِي ينزع يده عن يدك، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه لم يصافح أحدًا فنزع يده حتى يكون هُوَ الَّذِي ينزع يده.
إذا أقبل عَلَيْكَ رجل بوجهه يحدثك فلا تصرف وجهك عَنْهُ حتى يكون هُوَ الَّذِي يصرف وجهه عَنْكَ، وإذا جلست إلى جنب رجل أو جلس إلى جنبك رجل فلا تقومن من بين يديه، ولا تجاوزن ركبتك ركبتيه، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه لم تتجاوز ركبته ركبة جلَيْسَ له.
وإذا أحسست من أمير ظلامة أو تغطرسًا فقل: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر أعز من خلقه جميعًا، الله أكبر مِمَّا أخاف وأحذر، وأعوذ بِاللهِ الممسك السماء أن تقع على الأَرْض إِلا بإذنه من شر فلان، اللَّهُمَّ كن لي جارًا من فلان وجنوده، أن يفرط عليَّ أحد مِنْهُمْ أو أن يطغى، جل جلالك وعز جارك، ولا إله غيرك، تَقُول ذَلِكَ ثلاث مرات.
بلغني عن ابن عباس أنه قال ذَلِكَ وأمرنا به.
وإذا كتبت إلى أحد من غير أَهْل الإسلام فلا تكتبن سلام الله عَلَيْكَ، ولكن اكتب: السَّلام على من اتبع الهدى، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه كتب ذَلِكَ إلى مسيلمة.
إذا عطست في الخلاء فاذكر اسم الله خفيًا. لا تدهن في مدهن ذهب ولا فضة، ولا تستجمر في مجامر الذهب والفضة، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه نَهِيَ عن الشرب في إناء الذهب والفضة.
لا تنم على الحرير والديباج فإنه لبسة النساء، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه نَهِيَ عن لبس الحرير والديباج إِلا للنساء.
إذا رَأَيْت أمرًا في أهلك وخاصتك مِمَّا ينبغي تغييره فلا تحابين مِنْهُمْ أحدًا، وقم فيه بالَّذِي يحق عَلَيْكَ، بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «انصر أخاك ظالمًا ومظلومًا».
إذا هممت بأمر من طاعة الله- عَزَّ وَجَلَّ- فلا تحبسه إن استطعت فواقًا حتى تمضيه، فإنك لا تأمن الأحداث، وإذا هممت بأمر غير ذَلِكَ فإن استطعت أن لا تمضيه فواقًا فافعل لعل الله تَعَالَى يحدث لك تركه.
لا تستحي إذا دعيت لأمر لَيْسَ بحق أن تَقُول: لا، فإن الله تعالى يَقُولُ: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}.
إذا سمعت المؤذن يؤذن فقل كما يَقُولُ إِلا أنك تَقُول إذا قال: حي على الصَّلاة، حي على الفلاح: لا حول ولا قوة إِلا بِاللهِ. بلغني ذَلِكَ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
لا تخلون بامرأة لَيْسَتْ لك بمحرم، بلغني عن عُمَر بن الْخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قال: ما خلا رجل بامرأة لَيْسَتْ له بمحرم إِلا كَانَ ثالثهما الشيطان.
لا تَخْلُ بامْرَأَةٍ لَدَيْكَ بِرِيبَةٍ ** لَوْ كُنْتَ فِي النُّسَّاكِ مِثْلَ بَنَان

إِنَّ الرِّجَالَ النَّاظِرِينَ إِلََى النِّسَا ** مِثْلُ الْكِلابِ تَطُوفُ باللُّحْمَانِ

إِنْ لَمْ تَصُنْ تِلْكَ اللُّحُومَ أُسُودُهَا ** أُكِلَتْ بِلا عِوَضٍ وَلا أَثْمَان

إذا قال الإمام: آمين، فقل: آمين، فإنه ينبغي إذا فرغ من أم القرآن أن يَقُولُ: آمين، ويقوله من خلفه. بلغني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أمن الإمام فأمنوا فإن الملائكة تؤمن لتأمين الإمام، فمن وافق منكم تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه». اهـ. ما اخترناه وَاللهُ أَعْلَمُ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ.